علم الساعة البيولوجية

علم “الساعة البيولوجية”

بعد بحث في مختلف المكتبات، وتصفُّح للعديد من البحوث والدراسات التي لها مدخل زمنيٌّ، قيَّدتُ جملة من العلوم، مـمَّا له صلة وثيقة بالبرمجة الزمنية، إمَّا في طبيعة مادَّتها، أو في منهجها، وقد صنفتها في لائحة استبعدت منها ما يعالج جوانب من الزمن غير الزمن الإنسانيِّ، مثل: الزمن الميتافيزيقي، والرياضي، والفزيائي… أو ما يعالج الزمن الإنسانيَّ من مداخل بعيدة عن البرمجة الزمنية.

ومن هذه العلوم:

  • علم إدارة الوقت.
  • علم اجتماع الفراغ.
  • الترويح (التربية الترويحية).
  • ميزانية الوقت.
  • دراسات النوم والأرق.
  • علم “الساعة البيولوجية”.

لا يمكن لأيِّ نوع من الحياة أن يوجد في مجال «لازمنيٍّ، وبدون إيقاع (…) بل إنَّ الزمن الذي يعني تعاقب الـمُدد والإيقاعات، كان في بدايات الحياة»([1])، وسواء أكانت هذه الإيقاعات خارجية، مثل تعاقب الليل والنهار، والمدِّ والجزر… أم داخلية، مثل: حرارة الجسم، ودقَّات القلب، وضغط الدم، والتنفس…([2]) فإنَّها مجتمعةً تمثِّل مجالا مثيرا للدراسات البيولوجية، وللتجارب المخبرية المتطوِّرة جدًّا.

والإيقاع البيولوجي، الذي هو موضع أبحاث “علم الساعة البيولوجية” أي علم “Chronobiologie” «يهتمُّ بالحيوانات، كما يهتمُّ بالنباتات، من أبسط أنواع الحياة: البكتيريا، إلى أعقدها: الإنسان»([3]).

وفيما يخصُّ الإنسان – الذي هو موضوع بحثنا – تشير الأبحاث في علوم الحياة إلى «أنَّ لكلِّ إنسان ساعته البيولوجية الخاصَّة»([4])، التي تدور لمدَّة 24 ساعة في اليوم، وقد تزيد قليلا أو تنقص حسب الأشخاص، وهذه الإيقاعات تعرف بـ”Rythmes circardiens”([5]) وأصلها اللاتيني “circa” حوالي([6])، و”diem” يوم، أي: حوالي يوم([7]).

وقد كانت الإرهاصات الأولى لهذا العلم على يد الرياضي الفرنسي “Jean Jacques Dortous” سنة 1729م، ثم تبلور في القرن التاسع عشر بفضل جهود كلٍّ من الطبيب الفرنسي
“Julien Joseph Virey”، الذي يعتبر أوَّل من صرَّح بالإيقاع البيولوجي في بحوثه سنة 1814م، ثم
– بعد أزيد من قرن – برز المختصُّ في علم الأحياء، الألماني “Erwin Buning” في اكتشافه سنة 1936م للساعة البيولوجية اليومية “circardienne”، والساعات الأخرى الأقلِّ من اليومية
“infradienne” والأكثر من اليومية “ultradienne”([8]).

وفي عصرنا يُذكر أنَّ «أكثر من ألف مقال في هذا التخصُّص يصدر في المجلاَّت العلميَّة كلَّ سنة([9])»([10])

وإذا حاولنا أن نرجع إلى علم الساعة البيولوجية في مباحث البرمجة الزمنية – اليومية بالخصوص – فإنَّنا سنجد إجابات دقيقة لأسئلة مثل:

  • ما هو الوقت (الأوقات) الذي ينشط فيه الإنسان أكثر، في اليوم؟
  • ما هو الوقت (الأوقات) الذي يكون فيه أقلَّ نشاطا؟
  • ما هو الوقت (الأوقات) الأليق للنوم في اليوم؟
  • وما هو الوقت (الأوقات) الذي لا ينصح به للنوم؟…

وسيحاول الدارس للبرمجة الزمنية أن يقارن – عرَضا – بين ما جاء في النصوص الشرعية
– وبخاصَّة القطعية منها – حول حركة الإنسان في اليوم والليلة، وبين ما توصَّلت إليه البحوث المعاصرة في مجال الساعة البيولوجية([11])، دون أن يحمِّل النصَّ ما لا يحتمل، سواء بالأحكام الإيجابية أو السلبية؛ لأنَّ النصوص القطعية ثابتة صادقة، وإن قصُر العقل عن إدراكها، أمَّا نتائج الأبحاث المخبرية فلا ترقى إلى مستوى اليقين التامِّ، حتى تتحوَّل من الافتراضات والنظريات إلى حقائق علمية ثابتة.


[1] – HALL Edward. T: La danse de la vie, temps culturel, temps vécu: Essais 247, ed. Du Seuil, 1984, p28.

[2] – بوظريفة، حمو: الساعة البيولوجية؛ سلسلة افهم نفسك واعرف جسدك، رقم 1؛ دار الأمَّة، الجزائر، ط1:
1995م؛ ص44.

[3] – Rassion Pierre: Quand le corps se met á la bonne heure, Science et vie (No 960, Sep 97) p78.

[4] –  ليستر: إدارة الوقت، المرشد الكامل للمديرين؛ ص10.

[5] – Microsoft corporation: Bookshelf 99, Cd-Rom. Theasaurus, 1999.

       The Original Roget’s Longman Theasaurus, 1984, Biological Clocks.

[6] – Ibid. circa.

[7] –  الشربيني: الأرق وهم له علاج؛ ص10.

Pilorge Thierry: Horloge biologique. An a trouvé le ressort: Science et vie (No 916, jan 1994) p78.

[8] – Rassion: Quand le corps se met á la bonne heure, p78.

وانظر- دابليو إي. وفيبس جي.: زمان الجسم، كتاب فكرة الزمان عبر التاريخ؛ سلسلة عالم المعرفة، عدد 159؛ المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1412هـ/1992م؛ ص135.

[9] –  هذا الإحصاء يعود إلى سنة 1414هـ/1984م، ولا شكَّ أنـَّه قد تزايد كثيرا.

[10] – HALL: La danse de la vie, p29.

[11] –  انظر- ليستر: إدارة الوقت، المرشد الكامل للمديرين؛ ص25، 26.

عن د. محمد باباعمي

د. محمد باباعمي، باحث جزائري حاصل على دكتوراه في العقيدة ومقارنة الأديان، سنة 2003م، بموضوع: "أصول البرمجة الزمنية في الفكر الإسلامي مقارنة بالفكر الغربي"، وحصل على الماجستير في نفس التخصص سنة 1997 بموضوع: "مفهوم الزمن في القرآن الكريم"، وعلى دبلوم الدراسات المعمقة في العقيدة والفكر الإسلامي، سنة 1994م، بموضوع: "مراعاة الظروف الزمنية والمكانية، والأحوال النفسية، في تفسير الآية القرآنية". صاحب الدعوى العلمية لتأسيس "علم الزمن والوقت"، بإشراك ثلة من الباحثين والأساتذة. للاطلاع على السيرة الذاتية التفصيلية: https://timescience.net/2021/11/13/%d8%a8%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%b9%d9%85%d9%8a-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%89-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%b0%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%a9/

شاهد أيضاً

Daily Programming Rules from the Holy Sunnah

Daily Programming is not just a number of deeds to accomplish during the day; night …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *