أبو سهل ويجان بن رستم الكوهي
(ويجن، القوهي) الطبرستاني
(ت. 405هـ/1014م) ورد (ت. 390 هـ/ 1000م)
الصورة القلمية:
الكوهي من جيل الفلكيين البارزين، الذين يمثلون عصر النهضة العلمية في التراث الإسلامي ما بين القرنين الثالث والرابع الهجريين؛ وتترواح مؤلفاته في “علوم الزمن والوقت” ما بين البحث الفلسفي: من مثل معالجة التناهي واللاتناهي في الزمن؛ والرصد الميداني العملي: وهو الذي كان على رأس مرصد بغداد في عصره؛ كذلك له معالجات رياضية: من مثل التحويل بين الشكل المسطح والكروي؛ كما أنه اعتنى باستخراج سمت القبلة لداع شرعي؛ وله إسهام في الصنعة من خلال كتابه “صنعة الأسطرلاب”.
ولكن للأسف لم يبق بين أيدينا من مؤلفاته بالعربية، على أهميته، إلا النزر اليسير؛ ذلك أنَّ تلكم المؤلفات ترجمت إلى اللاتينية وإلى اللغات الأوروبية البارزة في العصور الوسطى؛ ثم محي اسمه، وانتحل علماء غربيون أغلب نظرياته وآراءه في مختلف العلوم التي كان بارزا فيها.
واليوم لا نكاد نهتدي إلى عنوان واحد نشر بالعربية من بين العناوين الكثيرة التي ألفها وخلفها في مجال الفلك والزمن والوقت؛ إلاَّ أنَّ كتابه الرياضي “البركار التام والعمل به” متوفر بين أيدينا. وهو في مقالتين، ومن خلال محتوياته، يدلُّ على أنه قصد إلى صناعة آلة جديدة لم يسبق إليها، وكذا تطوير الأسطرلاب وحلَّ الإشكالات التي تقع في صناعته؛ يقول في خاتمة الكتاب: “ذلك ما أردنا أن نبيّن، فقد تبيَّن لنا رسم الفضول المشتركة السطح المخروطي، أيَّ سطح كان من السطوح المختلفة الأجناس على وضع معلوم بهذا البركار، ويسهل علينا بذلك عملُ الإسطرلاب على السطح المستوية ذوات المحاور، وعمل الرخائم على أي سطح كان، وكذلك الآلات، يكون عليها خطوط فضول مشتركة للسطح المخروطي، وأي سطح كان. تمت”.
ولقد وقف الكوهي حياته للرصد والتأليف؛ وهي الصورة المثالية للعالم إلى اليوم؛ ولم يكن الوضع الاجتماعي، ولا الاهتمام السياسي، ولا الحاجة المعاشية والاقتصادية… تشغله؛ فهو لم يجعل همته همما؛ بل جعلها همَّة واحدة، وهو ما لا يتسنى للكثيرين من غيره من العلماء.
ويلاحظ من خلال شخصية الكوهي عالمية التراث العلمي الإسلامي؛ فهو من أصول فارسية، ولكنه عمل ورصد في بغداد؛ وهذه الحرية والحركية العلمية شرط أساس في تطور العلوم؛ ذلك أنَّ صورة الدولة الحديثة، وتقييد حرية العلماء لاعتبارات أمنية أو سياسية عطَّل العالم في إنتاجه العلمي؛ وقزَّم حدوده الجغرافية، وقلَّص مداركه وحدوده المعرفية.
ولعل معيار “حرية العالـِم” يكون معيارا كافيا للحكم على الأمم والدول؛ فكلما كانت متطورة كان العالم أكثر حظوة وحرية؛ وكلَّما قيدت الحريات – كما سيقع في العالم الإسلامي بعد قرون من الكوهي – كانت تلك البلاد متخلفة، هشة، تابعة؛ وعكس المسألة صحيح.
ولقد عمد الغرب في عصرنا إلى محاصرة حرية العالم الشرقي، والمسلم بخاصة؛ إلاَّ إذا كان ممن يدور في فلكه، ويكرر “علمه وقناعاته”؛ مع استثناءات لا تنكر؛ لفترات وجغرافيات منحت العالم كامل الحرية، ولم تقيد اختياراته.
الترجمة:
كان من الفلكيين الذين عهد إليهم عضد الدولة بالرصد، كان رياضيا، اهتم بالهندسة، أشاد Cantor بإسهامه الهندسي في الكرة والسطح؛ وقد حل مسألة تثليت الزاوية، وهو من أوائل من عالج مسائل ميكانيكية معالجة رياضية.
وله من المؤلفات: رسالة في البركار التام والعمل به؛ استخراج خطين بين خطين؛ رسالة في استخراج المجسم المكافئ؛ مراكز الدوائر المتماسة على الخطوط بطريق التحليل؛ المسائل الهندسية؛ كتاب مراكز الأكر…
كان له محضر في المرصد الذي يديره، يحضره الحكام والعلماء، ويوقّعون على نسخة منه، وهويحوي جميع التفاصيل، ولقد بقي منه نسخ فائقة الدقة، وفي “إخبار العلماء للقفطي” نسخة من المحاضر نشرها بنصها.
عاصر عضد الدولة، وشرف الدولة البويهيين؛ وعاش في بغداد. وهو من أهالي الكوه في جبال طبرستان جنوب بحر الخزر.
وآثاره في مجال “الزمن والوقت” كثيرة، وما انتهينا إليه هو الآتي:
– “قول على أنَّ في الزمان المتناهي حركة غير متناهية“.
– “محضر في رصد مدخل الشمس رأسي السرطان والميزان“
– “رسالة في معرفة مقدار البعد من مركز الأرض ومكان الكواكب الذي ينقض بالليل“
– رسالة بلا عنوان حول “استخراج مطالع قوس معلوم في الميل في مكان ما، ذي عرض معلوم أو معادلته في النهار“
– “تقسيم الكرة بسطوح مستوية” في صناعة الأسطرلاب
– “كتاب صنعة الأسطرلاب“
– “استخراج سمت القبلة“
– “رسالة في معرفة ما يُرى من السماء والبحر“
ولأبي سعد العلاء بن سهل “شرح كتاب صنعة الأسطرلاب لأبي سهل الكوهي“
المصادر:
القفطي: إخبار العلماء؛ ص262-264. سوزكين: تاريخ التراث؛ ج5/ص395. قدري طوقان: تراث العرب العلمي؛ ص128-130. “رسالة في البركار التام والعمل به” نسخة في الأنترنت نسخ بيلك بن عبد الله القبجاقي. تاريخ النسخ: سنة 649 هـ/ 1251م.