المقال مقتبس من كتاب أصول البرمجة الزمنية في الفكر الإسلامي، الفصل السادس.
في بحث تفريعيٍّ، يستطيع الباحث أن يعتمد القواعد التي ضبطناها من خلال السنَّة النبوية الصحيحة، ليبنيَ برنامجا يوميا للرسول ﷺ، يراعي فيه جميع الحالات، وجميع الاحتمالات. ومثل هذا العمل العلميِّ، يحتاج إلى تتبُّع نصوص السنَّة نصًّا نصًّا، والاستفادة من أيِّ جزئية ممكنة، للاستدلال على أنَّ عملا ما كان في وقت ما من اليوم… وهذا ما يمكن أن نسمِّيه بالتأريخ اليومي للسيرة النبوية، أو فقه البرمجة اليومية.
وغنيٌّ عن البيان أنَّ البحث التأصيليَّ ليس من أهدافه استيفاء الفروع، بل تبيين المنهج والأصول العامَّة، ولذا سيقتصر على ما يتوصَّل إليه من أعمال في بحر اليوم كنماذج، ليترك الاستقراء العامَّ للنصوص الحديثية في أعمال أخرى، وفي هذا المقال تناول فترة ما بين صلاة العشاء والفجر.
هذه المرحلة هي أطول مرحلتي الليل، وهي للرسول ﷺ فترة جلُّها لله تعالى، وبعضها للأهل، والبعض الآخر للنفس.. وبيان الأعمال الخاصَّة بها كالآتي:
صلاة العشاء جماعة:
تبيَّن من الفصل السابق([1]) أنَّ صلاة العشاء ثبتت في البرنامج اليوميِّ للمسلم، بنصِّ القرآن الكريم، لقوله تعالى: ]أَقِم الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [(سورة الإسراء: الآية 78). واستفاضت الأحاديث في أنَّ الرسول ﷺ كان يصلِّي العتمة، أو العشاء في المسجد جماعة، ويأمر بذلك، ويذكر أنـَّها أثقل الصلوات على المنافقين، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أنَّ رسول الله ﷺ فقد ناسا في بعض الصلوات، فقال: لقد هممتُ أن آمر رجلا يصلِّي بالناس، ثم أخالف إلى رجال يتخلَّفون عنها، فآمر بهم فيحرِقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم، ولو علم أحدهم أنـَّه يجد عظما سمينا لشهدها، يعني صلاة العشاء»([2]).
ويمكن للمرأة كذلك أن تشهد العشاء جماعة، وتدرج ذلك في برنامجها اليوميِّ، ما لم تضرَّ بحقوق أخرى، أو تسبِّب في معصية. ونستفيد ذلك من حديث زينب الثقفية أنـَّها: «كانت تحدِّث عن رسول الله ﷺ أنـَّه قال: ثم إذا شهدت إحداكنَّ العشاء، فلا تطيِّب تلك الليلة»([3]).
ركعتان بعد صلاة العشاء:
وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة، منها حديث ابن عمر: «أنَّ رسول الله ﷺ كان يصلِّي قبل الظهر…وبعد العشاء ركعتين»([4]). وهما من النوافل التي داوم عليها الرسول عليه السلام، ولفظ حديث عائشة رضي الله عنها صريح في ذلك: «كان يصلِّي في بيتي قبل الظهر أربعا…ويصلي بالناس العشاء، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين»([5]).
قيام الليل:
الأحاديث متواترة في قيام الرسول عليه السلام الليل، والاختلاف في عدد ركعاته، وفي وقته، وهل هو واجب في حقِّه ﷺ([6])؛ إلاَّ أنَّ القاعدة في ليل رسول الله ﷺ هي: السعة والحرية في الانتقال من عمل لعمل، ففي سورة المزمِّل تخيير: ]قم الليل إلاَّ قليلا: نصفه، أو انقص منه قليلا، أو زد عليه ورتِّل القرآن ترتيلا…[. وحديث عائشة خير موضِّح لهذه السعة والخيار، فقد روي عن غضيف بن الحارث قال: «قلت لعائشة: أرأيت النبي ﷺ يا أم المؤمنين، أكان يوتر من أول الليل؟ أو من آخره؟ قالت: ربما أوتر من أوَّل الليل، وربـَّما أوتر من آخره. قلت: الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة»([7]).
وكان في قيام الليل يستند إلى قاعدتي: الديمة، والخلفة. ففي الحديث أنَّ عائشة قالت: «كان رسول الله ﷺ إذا صلَّى صلاة أحبَّ أن يداوم عليها، وكان إذا شغله عن قيام الليل نوم أو مرض أو وجع صلَّى من النهار اثنتي عشرة ركعة»([8]). وتظهر قاعدة الديمة أكثر في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال لي رسول الله ﷺ: «يا عبد الله, لا تكن مثل فلان, كان يقوم من الليل, فترك قيام الليل»([9]). يقول الصنعاني في بيان هذا المعنى: وفي الحديث «استحباب الدوام على ما اعتاده المرء من الخير، من غير تفريط، ويستنبط منه كراهة قطع العبادة»([10]). ويستفاد منه كذلك استحباب المداومة على جميع أعمال البرِّ والخير.
كان ﷺ يكره الحديث بعد العشاء:
كان عليه السلام «يكره النوم قبل العِشاء، والحديث بعدها»([11]). ولقد بينَّا حكم السمر في الفصل الماضي، وتعرَّضنا لأحكامه وأقسامه([12]). ولابن أبي شيبة باب سـمَّاه: “باب من كره السمر بعد العتمة»، وساق تحته جملة من الأحاديث المرفوعة والموقوفة، وجملة من الآثار في كراهية السمر، منها:
- حديث: «جدب لنا رسول الله ﷺ السمر بعد صلاة العتمة»([13]).
- وعن خرشة بن الحر قال: «رأيت عمر بن الخطاب يضرب الناس على الحديث بعد العشاء ويقول: أسَمَرٌ أول الليل ونوم آخره»([14]).
ولعلَّ من الآثار السلبية لتطوُّر الوسائل، مثل الكهرباء، والتلفزيون، والسينما… أنَّ الليل صار مطية السمر في المعاصي إلاَّ ما ندر، وأنَّ الإرهاق لاحق الناس وأضعف أبصارهم وأجسادهم بما لا يفيد من العروض والحصص، في إيقاع روتينيٍّ دائم وقاتل.
السمر مع الأهل:
رغم أنَّ رسول الله ﷺ كان يكره الحديث بعد العشاء، إلاَّ أنـَّه استثنى الأهل، أداء لحقِّهم، فكان يسمر معهم إذا اقتضت الحاجة، وقد دلَّت السنَّة على ذلك: فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: «بتُّ عند خالتي ميمونة، فتحدَّث رسول الله ﷺ مع أهله ساعة، ثم رقد، فلمَّا كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال: ]إنَّ في خلق السماوات والأرض…[»([15])
السمر للعلم أو في مصالح المسلمين:
عقد البخاري جملة من الأبواب في السمر المباح، منها: «باب السمر في العلم»([16])، «باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء»([17]). «باب السمر مع الضيف والأهل»([18]). وساق جملة من الأحاديث في التدليل على ذلك منها حديث أنس قال: «انتنظرنا النبي ﷺ ذات ليلة، حتى كاد شطر الليل يبلغه، فجاء فصلَّى لنا، ثم خطبنا، فقال ألا إنَّ الناس قد صلَّوْا ثم رقدوا، وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة»([19]).
وفي “المصنَّف” عن عمر قال: «كان رسول الله ﷺ يسمر عند أبي بكر الليلة كذلك في الأمر من أمور المسلمين، وأنا معه، وأنـَّه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه»([20]).
ويذكر القرضاوي أنَّ المسلم يستطيع «أن يقضي بعض الحقوق قبل نومه، كبعض الزيارات أو المجاملات»([21])، أمَّا الخالديُّ فيجعل ما بعد العشاء للعلم، ثم يحذِّر من مضيعات الوقت، فيقول: «وليحذر الاشتغال بما لا يعني من تلفزيون، أو تمثيليات، أو مسرحيات»([22]).
وتقرِّر البحوث النفسية أنَّ الوقت قبل النوم هو أحسن وقت «لتلمُّس ومراجعة وتهشيش موضوع ما؛ لأنَّ العقل يواصل عمله في المرحلة الأولى من النوم»([23]).
حاجته في أهله:
كانت القاعدة في حاجة الرسول ﷺ إلى أهله، تبعا لحكم قيام الليل، هي السعة، وهي عدم تخصيص وقت معيَّن، ففي حديث عائشة، قال غضيف بن الحارث: «يا أمَّ المؤمنين، أرأيت رسول الله ﷺ كان يغتسل من الجنابة من أوَّل الليل؟ أو من آخره؟ قالت: ربـَّما اغتسل من أوَّل الليل، وربـَّما اغتسل من آخره. قلت: الله أكبر، الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة»([24]).
وقد دلَّت جملة من الأحاديث الأخرى على هذه السعة، وعلى هذا الاختلاف، حسب حاجته ﷺ، وحسب ظروفه وظروف أهله([25])، كما دلَّت على أنَّ الرسول عليه السلام لا يرى الإعراض عن النساء في برنامجه اليومي نوعا من العبادة، بل يعدُّ حاجة الإنسان إلى أهله من جملة العبادة، فيقول: «…وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر»([26]).
وذكرت الروايات خبر النفر الثلاثة الذين أرادوا أن يحدثوا أزمنة مهيمنة في حياتهم، فيُلغوا زمن النوم الليلي، وزمن الطعام النهاري، وزمن الأهل، طول الدهر. فصوَّب الرسول ﷺ نظرتهم إلى الأمور، وبالتبع إلى البرنامج اليومي، مبيِّنا أنًَّ صبغة الله هي الحال الطبيعية في الإسلام، والزمن الصبغة بالتالي هو الزمن الأصيل في الدين الحنيف، والتوازن هو المطلب من حياة المسلم.
ونصُّ الحديث: «جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ﷺ يسألون عن عبادة النبي ﷺ، فلمَّا أُخبِروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي ﷺ قد غفر الله له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، قال أحدهم: أمَّا أنا فإني أصلِّي الليل أبدا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر، ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء رسول الله ﷺ فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلِّي وأرقد، وأتزوَّج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني»([27]).
النوم مبكِّرا، والنوم وسط الليل:
ربـَّما نام الرسول ﷺ مبكِّرا، ليستيقظ للصلاة، وقد ينام وسط الليل، وفي الحديث: «كان ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته ثم ينام»([28]).
والعادة عند الرسول ﷺ الإيواء إلى النوم مبكِّرا، مع ترك باب الاستثناء مفتوحا، ذلك أنَّ النوم المبكِّر هو أفضل أنواع النوم كما يقرِّر العلماء، ولذا فإنَّ البحوث حاليا تدور حول النوم المثالي لا عن الحجم الساعي للنوم، والمثل القديم يقول: «إنَّ النوم المبكرِّ والاستيقاظ المبكِّر يجعلان الإنسان صحيحا وغنيا وحكيما. وإنَّ ساعة قبل منتصف الليل تساوي ثلاث ساعات بعد منتصفه… وقد اكتشف أنَّ 70% من نومنا العميق غير الحالم([29]) يحدث خلال الثلث الأوَّل من الليل»([30]).
وقد «قام الباحثون بإجراء دراسة على مجموعة من الصغار البالغين، ممن تتنوَّع أوقات إيوائهم للفرش، ما بين 3و4 ساعات كلَّ ليلة من الليالي التالية، بالمقارنة على مجموعة أخرى ممن اعتادوا النوم في وقت محدَّد، ولوحظ من التجربة أنَّ المجموعة الأخيرة كانت تتمتَّع بالراحة النفسية والبدنية، عن المجموعة الأولى، وهم لا يشعرون بالسعادة فحسب، ولكنهم عبَّروا عن مشاعرهم بأنَّهم يتمتَّعون بنوم هادئ مريح، وأنـَّهم يشعرون بنشاط أكبر أثناء فترة الصباح»([31]).
وفي مجال الساعة البيولوجية، يذكر العلماء أنَّ النوم لا يرتبط «بساعة زمنية محدَّدة (التاسعة مساء مثلا)، وإنـَّما يرتبط بصلاة العِشاء»([32])، والإنسان الذي «يتقيد بمواعيد النوم، المرتبطة مع صلاة العشاء، ولا يتقيد بساعة ثابتة، لا يتعرض للأرق، فتتبدَّل ساعة نومه الاصطناعية تدريجيا وبتناسق مع الساعة الحرارية، فلا يحدث له أرق»([33]).
ساعة لا يدخل عليه فيها أحد:
بالإضافة إلى أحكام الاستئذان في العورات الثلاث، ومنها في هذه الفترة: من بعد صلاة العشاء، ومن قبل صلاة الفجر([34]).. جاء الحديث بأنَّ الوقت قبل الفجر لم يكن أحد يدخل فيه دار الرسول ﷺ، ونصُّ الحديث: «حفظت من النبي ﷺ عشر ركعات… وركعتين قبل صلاة الصبح، كانت ساعة لا يدخل على النبي ﷺ فيها…» ([35]).
فلو أنَّ الله تعالى لم يحم رسوله الكريم في برنامجه اليومي بمثل هذه الضوابط، للقي العنت الشديد من الناس، ولكثرت عليه الزيارات، والرسول ﷺ قد يستحيي، ولكنَّ الله سبحانه أنزل آية من السماء تبرز حكمه: ]إنَّ ذلِكُم كانَ يُؤذِي النبيَّ فيَستحيِي مِنكُم والله لاَ يَستَحْيِي مِنَ الحقِّ[ (سورة الأحزاب: الآية 53). وهذه الحماية لبيت النبوَّة وأهله، ولبرنامجه اليوميِّ ممن قد يتسلَّط عليه، هي الضمان لامتداد الرسالة، ولعدم المساس بحرمة الرسول عليه السلام، ولإحداث التوازن في حياته اليومية بين مختلف جوانبها.
جملة من المنهيات والمأمورات في أطراف الليل:
نهى الرسول ﷺ عن جملة من الأمور في بحر الليل، وأمر بأمور أخرى، كلُّها تدخل في تحديد برنامج المسلم، وتسهم في تنمية نظرته إلى الأوقات، وتعامله معها، وكيفية ملئها بالأعمال الصالحة، فقال في حديث رواه الإمام مسلم: «إذا كان جنح الليل([36])، أو أمسيتم، فكفُّوا صبيانكم فإنَّ الشيطان ينتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلُّوهم، وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإنَّ الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأوكوا قربكم، واذكروا اسم الله، وخـمِّروا آنيتكم، واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئا، وأطفؤوا مصابيحكم»([37]).
وفي الحديث الأمر بالحذر في الليل، سواء من الأضرار المعنوية كالشياطين، والذنوب بالتبع؛ أو المادية كالميكروبات، والحرائق… مع الاتكال على الله تعالى، وذكر اسمه في كلِّ خطوة يخطوها المسلم، ليضمن نوعا من الاستقرار النفسي، وعدم الخوف إلاَّ من الله تعالى، شريطة اتخاذ الأسباب لذلك.
وفيه حماية للأطفال من مفاسد الشوارع، وضبطهم في المنازل، وهذا حقٌّ من حقوقهم؛ لأنََّّ عادة الخروج إلى الأزقَّة في الليل، واللعب فيها، إذا استحكمت في صبيٍّ لاحقته طول عمره، وأفسدت طبعه، واستحثته إلى المفاسد والأضرار والشرور، وهذا ملاحظ في الكثير من البلاد الإسلامية اليوم، أمَّا في الغرب فكثيرا ما نظِّمت هذه المفاسد باسم المدنية، وأعدَّت الوسائل للانحراف الخُلقيِّ والجنسيِّ، بوسائل الإعلام خاصَّة.
تذكر الكاتبة “ماري وين” تحت عنوان “جيل التلفزيون” أنَّ الروتين اليومي للطفل قد تغيَّر «بواسطة إتاحة جهاز التلفزيون كوسيلة معاونة في تربية الطفل. فعلى حين غرَّة صار الطفل يمضي ساعتين، أو ثلاثا، أو أربعا، بل ستَّ أو سبع ساعات من يومه، في نوع من النشاط لا هو بالنوم، ولا هو باللعب، بل يقع في مكان ما بين هذا وذاك، نشاط يتَّسم بتشرُّب غريب للمواد المرئية والسمعية المصحوبة بسلوكيات غير مألوفة تماما بين الأطفال الصغار: السكوت، الخمول، والسلبية العقلية…»([38]).
وجملة أعمال الليل التي أحصيناها بتتبع أحاديث الرسول ﷺ يجمعها هذا الجدول:
صلاة العشاء جماعة | ||||
النوافل، والذكر، وقيام الليل، وركعتان قبل الفجر في بيته | النوم مبكرا، والنوم وسط الليل | السمر في العلم | السمر في مصالح المسلمين | السمر مع الأهل الحاجة للأهل |
ينهى عن السمر بعد العشاء، يكره الكلام بعد العشاء فيه عورتان من العورات الثلاث: بعد صلاة العشاء، وقبل صلاة الفجر الحذر عن جملة من الأضرار المعنوية والمادية |
أعمال ما بين العشاء والفجر في السنَّة النبويَّة
إنَّ الدارس للأحاديث النبوية الشريفة، ليعجب من تعدُّد ما يعمله الرسول ﷺ في هذه الفترة، ومن قدرته عليه السلام على الانتقال من عمل إلى آخر، غير أنَّ بعض المحاولات أغفلت بعض الجوانب، وركَّزت على جوانب أخرى لا تزيد أهمية عن التي أغفلتها…
فلقد كان الرسول ينتقل من عمل لآخر، ويعطي لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه، دون إفراط ولا تفريط، ويلين في جوانب، كما يكون صارما في جوانب أخرى.. حتى إننا لا نستطيع أن نضبط مدَّة نومه، ومدَّة قيامه، وعدد ركعاته وأذكاره، وما يتلوه من القرآن الكريم كلَّ ليلة…
كما كان الرسول مداوما على أعمال مثل: الصلاة، والنوم، مع اختلافات يسيرة لظروف معتبرة ومعيَّنة. وغير مداوم علىأعمال أخرى مثل السمر مع الأهل، أو في العلم. وتبقى ثمة أعمال أخرى لم نذكرها في هذا العرض، فالبحث التفريعي كفيل باستجلاء جميع جوانب ليل الرسول ﷺ، وليل صحابته وأهله عليهم السلام، وإلاَّ فإنَّ أعمال البرِّ في العهد النبويَّ استغرقت أوقات اليوم كلَّها، وجعلت منه عهدا زاهرا وفريدا.
[1] – انظر أعلاه- ص270 وما بعدها.
[2] – رواه الربيع؛ باب في أوقات الصلاة؛ ج1/ص80، رقم 182. ورواه مسلم؛ كتاب المساجد ومواضعها، باب صلاة الجماعة وبيان التشدُّد في التخلف عنها؛ واللفظ له، ج1/ص451، رقم 651؛ بسند: «وحدثني عمرو الناقد حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ثم أنَّ رسول ﷺ الله فقد ناسا…».
[3] – رواه مسلم؛ كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد؛ ج1/ص328، رقم 443؛ بسند: «حدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا بن وهب أخبرني مخرمة عن أبيه عن بسر بن سعيد أن زينب الثقفية كانت…».
[4] – تقدَّم تخريجه، ص333.
[5] – تقدَّم تخريجه، ص334.
[6] – انظر- الشافعي: الأم؛ ج1/ص86. الجصاص: أحكام القرآن؛ ج3/ص701. ابن حزم: المحلى؛ ج2/ص5. ابن العربي: أحكام القرآن؛ ج3/ص213.
[7] – رواه مسلم؛ كتاب الحيض، باب جواز نوم الجنب؛ ج6/ص200، رقم 307؛ بسند: «أخبرنا الحسن بن سفيان قال حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال حدثنا وهيب عن برد أبي العلاء عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث»
[8] – روا ابن خزيمة، وصححه. ج2/ص194. رقم 1179. بسند: «حدثنا بندار أخبرنا يحيى بن سعيد ح وثنا بندار أيضا ثنا ابن أبي عدي كلاهما عن سعيد ح وثنا بندار أيضا نا معاذ بن هشام حدثني أبي كلاهما عن قتادة عن زرارة بن أوفي عن سعد بن هشام عن عائشة…».
[9] – حديث متفق عليه، ورواية البخاري؛ كتاب الجمعة، باب ما يكره من ترك =قيام الليل لمن كان يقومه؛ ج1/ص387، رقم 1101. بسند: «حدثنا عباس بن الحسين حدثنا مبشر عن الأوزاعي وحدثني محمد بن مقاتل أبو الحسن قال أخبرنا عبد الله أخبرنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة ابن عبد الرحمن قال حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال قال لي رسول الله ﷺ:…».
[10] – الصنعاني، محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير الكحلاني الصنعاني (ت. 1182هـ/1768م): سبل السلام شرح بلوغ المرام؛ (الأصلية: دار الحديث) طبعة جامع الفقه، شركة حرف، الإمارات العربية المتحدة؛ 1999م؛ ج1/ص350.
[11] – رواه البخاري، تقدَّم تخريجه.
[12] – انظر- أعلاه- ص274. وفي نيل الأوطار للشوكاني، ج2/ص20 نصٌّ يجمل الحكم، ويجمع بين الأحاديث، جاء فيه: «وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد العشاء فكره قوم منهم السمر== ==بعد صلاة العشاء ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد منه من الحوائج, وأكثر الحديث على الرخصة, وهذا الحديث يدل على عدم كراهة السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة دينية عامة أو خاصة, وحديث أبي برزة وابن مسعود وغيرهما على الكراهة . وطريقة الجمع بينهما بأن توجه أحاديث المنع إلى الكلام المباح الذي ليس فيه فائدة تعود على صاحبه, وأحاديث الجواز إلى ما فيه فائدة تعود على المتكلم أو يقال دليل كراهة الكلام والسمر بعد العشاء عام مخصص بدليل جواز الكلام والسمر بعدها في الأمور العائدة إلى مصالح المسلمين. قال النووي: واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها إلا ما كان في خير. قيل: وعلة الكراهة ما يؤدي إليه السهر من مخافة غلبة النوم آخر الليل عن القيام لصلاة الصبح في جماعة. أو الإتيان بها في وقت الفضيلة والاختيار, أو القيام للورد من صلاة أو قراءة في حق من عادته ذلك, ولا أقل لمن أمن من ذلك من الكسل بالنهار عما يجب من الحقوق فيه والطاعات».
[13] – ابن أبي شيبة: المصنف؛ ج2/ص180، رقم 110. بسند: «حدثنا أبو بكر قال: حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن شقيق عن عبد الله قال…» قال الشوكاني في الحديث: « الحديث رجاله في سنن ابن ماجه رجال الصحيح, وقد أشار إليه الترمذي وذكره الحافظ ابن سيد الناس في شرح الترمذي ولم يتعقبه بما يوجب ضعفا» نيل الأوطار؛ ج2/ص19
[14] – ابن أبي شيبة: نفسه. بسند: «حدثنا وكيع عن الأعمش عن سليمان بن مسهر عن خرشة بن الحر قال رأيت» .
[15] – رواه البخاري؛ كتاب تفسير القرآن، باب قوله: إنَّ في خلق السماوات والأرض…؛ ج4/ص1665، رقم 4293؛ بسند: «حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب عن ابن عباس…»
[16] – البخاري، ج1/ص55.
[17] – البخاري، ج1/ص216.
[18] – نفسه.
[19] – رواه البخاري؛ كتاب مواقيت الصلاة، باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء؛ ج1/ص216، رقم 575؛ بسند: «حدثنا عبد الله بن الصباح قال حدثنا أبو علي الحنفي حدثنا قرة بن خالد قال انتظرنا الحسن وراث علينا حتى قربنا من وقت قيامه فجاء فقال دعانا جيراننا هؤلاء ثم قال…»
[20] – ابن أبي شيبة: المصنف؛ ج2/ص181، رقم 111. بسند: «حدثنا أبو بكر قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عمر قال: كان » قال الشوكاني: «رواه أحمد والترمذي. الحديث حسنه الترمذي أيضا وأخرجه النسائي ورجاله رجال الصحيح , وإنما قصر به عن التصحيح الانقطاع الذي فيه بين علقمة وعمر» نيل الأوطار؛
ج2/ص20
[21] – القرضاوي: الوقت في حياة المسلم؛ ص30.
[22] – الخالدي: الخطة البراقة؛ ص138-139.
[23] – Patrick et Marzé : Comment développer sa mémoire, p51
[24] – تقدَّم تخريجه، ص344.
[25] – منها حديث عائشة: «وحدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق ح وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو خيثمة عن أبي إسحاق قال سألت الأسود بن يزيد عما حدثته عائشة عن صلاة رسول الله ﷺ قالت: كان ينام أول الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت له حاجة إلى أهله قضى حاجته، ثم ينام فإذا كان عند النداء الأول قالت وثب ولا والله ما قالت قام فأفاض عليه الماء ولا والله ما قالت اغتسل وأنا أعلم ما تريد وإن لم يكن جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة ثم صلى الركعتين» رواه مسلم؛ كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي؛ ج1/ص510، رقم 739.
ولحديث: «أخبرنا بن خزيمة قال حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن أنس ابن مالك عن النبي ﷺ أنـَّه كان يدور على نسائه في ساعة من الليل أو النهار وهن إحدى عشرة». رواه ابن حبان، وصححه، ج4/ص8، رقم 1208.
[26] – رواه مسلم؛ كتاب الزكاة، باب أنَّ اسم الصدقة يقع على كلِّ نوع من المعروف؛ ج2/ص697، رقم 9355؛ بسند: «حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا واصل مولى أبي عيينة عن يحيى بن عقيل عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي عن أبي ذر…».
[27] – رواه البخاري؛ كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح؛ ج5/ص1949، رقم 4776؛ بسند: «حدثنا سعيد بن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا حميد بن أبي حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك t يقول:…» .
[28] – رواه مسلم، تقدَّم تخريجه.
[29] – من الناحية الطبية هذه المرحلة من النوم هي مرحلة النوم المريح «فالعضلات مسترخية، والقلب بطيء الضربات، وضغط الدم منخفض لا يتأرجح، والتنفس بطيء ومريح، والعينان لا تتحركان» الشربيني: الأرق وهم له علاج؛ ص24. ليون: مائة نصيحة ونصيحة للنوم؛ ص12-13. pp49-50 Schuller: Les insomnies et le sommeil,
[30] – نيريس، دي: الأحلام تفسيرها ودلالاتها؛ عالم الكتب، القاهرة، د.ت.ن. نقلا عن الشربيني: نفس المرجع؛ ص47.Schuller: Ibid
[31] – الشربيني: الأرق وهم له علاج؛ ص13.
[32] – نفس المرجع؛ ص43.
[33] – نفس المرجع؛ ص43-44 (بتصرف).
[34] – انظر أعلاه- ص276.
[35] – تقدَّم تخريجه، ص333.
[36] – وفي رواية «فحمة الليل»، مسلم، ج3/ص1595، رقم 2013.
[37] – رواه الشيخان؛ ورواية مسلم؛ كتاب الأشربة، باب الأمر بتغطية الإناء؛ ج3/ص1595، رقم 2012؛ بسند: «وحدثني إسحاق بن منصور، أخبرنا روح بن عبادة، حدثنا بن جريج، أخبرني عطاء، أنـَّه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله ﷺ ثم إذا…».
[38] – وين: الأطفال والإدمان التلفزيوني؛ ص145.