أفضال البكور لا حصر لها (حجَّة وعمرة: تامَّة، تامَّة، تامَّة…)

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من صلَّى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين؛ كانت له كأجر حجَّة وعمرةٍ تامَّة، تامَّة، تامَّة”.

وروى جابر بن سمرة رضي الله عنه “أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا صلَّى الفجر جلس حتى تطلع الشمس حسناء”.

ثواب الله تعالى فضل يؤتيه من يشاء، وصلاة الفجر في جماعة، ثم الجلوس إلى طلوع الشمس في الذكر، ثم الصلاة ركعتين، كلُّ ذلك يعادل في الجزاء والثواب أجرَ حجَّة وعمرةٍ؛ وكأنَّ السامع يستكثر ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤكدا وموثقا: “تامَّة، تامَّة، تامَّة”. 

ولكن، هذا الجلوس لا يجزي عن الحج والعمرة، ولقد يكون ضمن الحج والعمرة مِن عادة المسلم أن يصلي الفجر جماعة في الحرم المكي أو المدني، ثم يجلس في مُصلاه إلى طلوع الشمس، ثم يصلي ركعتين؛ فينال في كل مرَّة هذا الأجر العظيم؛ إضافة إلى أجر حجته وعمرته الشرعيتين؛ وثواب الصلاة في الحرمين. وفي هذا يقول العلماء: “إنما المشابهة في الجزاء، لا في الإجزاء”.

غير أنَّ السؤال المحير هو: ما دام هذا الأجر العظيم وعدٌ من الله تعالى؛ بهذا التوكيد؛ فلماذا يغفل الناس عنه عادةً؟ 

وما الذي يجعل المسلمين في عصرنا – إلاَّ قليلا – لا يتصيَّدونه، ولا يتَّخذون من عادتهم “صلاة الفجر جماعة، ثم الجلوس في المصلَّى، ثم صلاة ركعتين” إلا قليلاً؟ 

ولقد ذكر أهل العلم أنَّ صلاة المسلم جماعة لم يشترط فيها أن تكون في المسجد؛ ولا شكَّ أنَّ أجر الصلاة في المسجد أعظمُ؛ بل يكون له من الأجر ما ذكر إذا صلاها في بيته جماعةً، مع توفُّر شروط الجماعة؛ ثم جلس في مُصلاه إلى طلوع الشمس، ثم صلى ركتين؛ ويدخل في ذلك الرجل والمرأة؛ بل إنَّ المرأة لا يشترط عليها أن تصلي جماعة، فصلاتها بمفردها في بيتها خير لها من صلاتها جماعة؛ ولها من الأجر ما للرجل، ولها أجر حجة وعمرة “تامَّة، تامَّة، تامَّة” إذا هي بقيت في مصلاها ذاكرة الله “حتى تطلع الشمس حسناء”.

ولا يجوز التعنيف في النوم بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس، وإنما قصارى القول فيه أنه “مكروه” بخاصَّة إذا كان عادةً؛ أمَّا في ظروف خاصَّة، من مثل الحاجة إلى النومِ، والاستعداد لعملٍ طويل بحر اليومِ، وامتناع القيلولة للوظيف مثلاً… فلا حرج فيه، ولا يقال لصاحبه: “عصيتَ”؛ إلاَّ إذا نوى مخالفة السنَّة اعتقاداً، والمطلوب من المسلم أن يجتهد في إتيان السنن الرواتب، ومنها سنَّة الذكر وقت البكور؛ ولقد جاء في الحديث الشريف الذي هو معيار في هذا الشأن: 

“وما تقرَّب إليّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزال عبدِي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته: كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه”.

اللهم نسألك حبَّك، وحبَّ من يحبُّك، وحبَّ عملٍ تحبَّه…

د. محمد باباعمي

—————

– “جلس حتى تطلع الشمس حسناء”: أي يظلُّ جالسا ذاكرا داعيا حتى تظهر الشمس، ويظهر ضوؤها ظهورا حسنًا كاملاً.

– – مقتطفٌ من كتاب طور التأليف عن “الفجر والبكور” بين منطلقات الوحي، وإكراهات الواقع، وضريبة التبعية والولع. ضمن مبادرة “دعوى تأسيس علم الزمن والوقت”.

عن د. محمد باباعمي

د. محمد باباعمي، باحث جزائري حاصل على دكتوراه في العقيدة ومقارنة الأديان، سنة 2003م، بموضوع: "أصول البرمجة الزمنية في الفكر الإسلامي مقارنة بالفكر الغربي"، وحصل على الماجستير في نفس التخصص سنة 1997 بموضوع: "مفهوم الزمن في القرآن الكريم"، وعلى دبلوم الدراسات المعمقة في العقيدة والفكر الإسلامي، سنة 1994م، بموضوع: "مراعاة الظروف الزمنية والمكانية، والأحوال النفسية، في تفسير الآية القرآنية". صاحب الدعوى العلمية لتأسيس "علم الزمن والوقت"، بإشراك ثلة من الباحثين والأساتذة. للاطلاع على السيرة الذاتية التفصيلية: https://timescience.net/2021/11/13/%d8%a8%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%b9%d9%85%d9%8a-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%89-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%b0%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%a9/

شاهد أيضاً

في وعي الإنسان بالوقت :: 04

النومُ آيةٌ من آيات الله ﷻ، لا يدركها إلاَّ من يتفكَّر ويُعمل عقلَه؛ أمَّا الغافل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *