وصلتني ورقة مستنسخة، عنوانها: “الآية الموافقة لأحداث 11 سبتمبر 2001″، كما وصلت إلى الكثير من القرَّاء، وسألني من لا أردُّ طلبه أن أبيِّن في الأمر بيانا يرفع الحيرة، ويمحق الشكَّ والريبة، فرأيت أن أجيب، بعد أن أعرض نصَّ الرسالة كما هي:
نص الرسالة
يقول تعالى: [لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلاَّ أن تقطَّع قلوبهم، والله عليم حكيم] (سورة التوبة: الآية 110).
التحليل:
- تقع الآية في الجزء 11 من القرآن الكريم، دلالة على اليوم 11.
- تقع الآية في السورة رقم 09 من القرآن الكريم، دلالة على الشهر 09.
- تقع الآية في الحزب 21 من أحزاب القرآن، دلالة على القرن 21.
- عدد الآيات من أوَّل سورة البقرة إلى آخر سورة التوبة هو 1357، دلالة على زمن وقوع الحدث 13:57، الواحدة زوالا و57 دقيقة.
- رقم الآية في سورتها هو 110، وهو دلالة على عدد طوابق المبنى المنهار، 110 طابقا.
- عدد حروف الآية 61 حرفا، دلالة على الأيام الموالية للولايات المتحدة لأفغانستان، 61 يوما (شهران).
ملاحظة:
- ذكر كلمة (ريبة) في الآية، وهو البنيان المبني من أموال الربى.
الرد على الرسالة
إنَّ القارئ لمثل هذه الأوراق لَيتساءل:
في صالح مَن مثلُ هذه التفسيرات، التي تربط المسلم بالأساطير والخرافات، وتُبعده عن اتخاذ الأسباب، ومعرفة مواطن الداء والدواء؟ فهل تخدم الإسلام والمسلمين؟ أم أنـَّها معول يحطِّم عقلية الإنسان المسلم، الساذج في معارفه، الجاهل بأحكام دينه؟
ولكي نجيب على هذه الأسئلة، لا بدَّ من وقفة في الوثيقة المذكورة، تبين خطلها وخطأها:
أولا- هل الله تعالى أرَّخ لهذه الحادثة بالتاريخ الميلاديِّ، وترك التاريخ الهجريَّ، وهو القائل سبحانه في نفس السورة: [إنَّ عدَّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حرم] (سورة التوبة: الآية 36). وهذه الشهور لا شكَّ أنها هجرية، ذلك أنَّ الأشهر الحرم هي: ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرَّم، ورجب. ثم إنَّ قوله تعالى “عند الله”، أي في اللوح المحفوظ. فهل يوصف القرآن الكريم بالتناقض في التأريخ، وبالتذبذب بين التاريخ الهجري والميلادي؟! تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً.
ثانيا- هل يعلم صاحب الوثيقة أنَّ تقسيم القرآن إلى “أحزاب” وإلى “أجزاء”، ليس توقيفيا، أي ليس من عند الله تعالى، فلا نقرأ آية واحدة، أو حديثا واحدا عن الرسول ﷺ يشير فيه إلى حزب كذا، إلى جزء كذا.. فلماذا نربط بينها وبين أحداث سبتمبر بهذه الطريقة العشوائية الفوضوية.
ثالثا- ثم يذهب صاحب الوثيقة إلى عدِّ الآيات من أول سورة البقرة إلى آخر سورة التوبة، والسؤال: لماذا أوَّلُ البقرة، وليس أول القرآن الكريم، أي أول الفاتحة؟ ثم لماذا إلى آخر سورة التوبة، وليس إلى الآية التي هي محلُّ الاستشهاد؟ ثم ألا يمكن أن نجد احتمالات أخرى لا متناهية إذا كانت المقدِّمة خاطئة، وإذا كان الاقتراح اختياريًّا وعفويًّا؟ ثم إنَّ عدد الآيات مختلف بين قراءة وأخرى، فأيها اعتمد، وأيها أُقصي؟ وعلى أيِّ أساس؟
رابعا- يربط صاحب الوثيقة بين رقم الآية وعدد الطوابق في إحدى الناطحات التي وقعت، والمعلوم أنَّ ناطحتين وقعتا في ذلك اليوم، فلماذا اختار واحدة، واستثنى أخرى؟ وأين هو الهجوم على مبنى الكونغرس فيما ادعاه من آيِ القرآن الكريم؟
خامسا- في الوثيقة: “عدد حروف الآية 61 حرفا، وهو عدد الأيام بين الحادث وهجوم أمريكا على أفغانيستان..” فماذا يعني هذا الربط، فهل هو مناصرة وتبرير صريح لقصف أمريكا؟ أم هو استنكار لذلك؟ لا نعرف.. فما جاء هنا ليس مفهوما، ولا دليل من ورائه.
سادسا- يفسِّر صاحب الوثيقة معنى “البنيان الذي بنوه ريبة” بأنـَّه البنيان الذي بني من أموال الربا، مستغلا هيكل الكلمتين المتقارب: “ريبة” و”ربا”، في الحين أنـَّه لم يقُل بهذا المعنى المفسِّرون الذين يعرفون أصول اللغة، وقواعد التفسير.. فالريبة في اللغة تعني الشكَّ وهو من ما دة “ر.ي.ب.” أمَّا الربا فهو من رَبا أي زاد، وهو من مادة “ر.ب.و”.. وشتان بين المعنيين.
وأمَّا البنيان الذي ذكرته الآيةُ، فهو المسجد الضرار الذي بناه بنو غنم بن عوف، ليؤمَّهم فيه أبو عامر الراهب، حسدا لإخوانهم بنو عمور بن عوف، الذين بنوا مسجد قباء، علما بأنَّ الرسول ﷺ أمر بحرق هذا المسجد الضرار.. وفي هذا نزلت الآية، ولا مجال لذكر الربا ولا للاستدلال عليه من هذه الآية.
سابعا- من الميسور جدا أن نوجد احتمالات كثيرة أخرى لنسقطها على هذه الحادثة – كأن نقول مثلا: السورة 110 (عدد طوابق إحدى الناطحتين) هي سورة النصر، وهي تتحدَّث عن الانتصار على أمريكا… – فيتحوَّل القرآن بالتالي إلى حقل للتفسيرات والإشاعات المغرضة، كلَّما وقعت واقعة أو نزلت نازلة سارع الناس إلى المصحف ليجدوا تفسيرا جديدا، بل تلفيقا جديدا، فيفقد كلام الله تعالى – في قلوب هؤلاء، وفي نفوس ضعفاء الإيمان – دوره الذي أنزل من أجله، وهو الهداية والشفاء بأشمل معانيهما، والحثُّ على الإيمان والعمل الصالح، وجهادِ الكفار، وبناء الحضارات، وعمارةِ الأرض… الخ.
ثامنا- مثل هذه الخرافات تمنع الناس من البحث في الأسباب الحقيقية لأزمتهم، فعوض أن ينظروا في الأسباب التي نزلت بهم إلى حضيض الأمم، وجعلتهم أذلاَّء منهزمين متخاذلين متناحرين، لا تقوم لهم قائمة… تجدُهم يتساقطون على العرَّافين والكهنة، وما الذي فسَّر هذا التفسير إلاَّ واحد منهم، بل هو أخطرهم..
وفي الآية 110 من سورة البقرة، نقرأ: [وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدِّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله، إنَّ الله بما تعملون بصير] وهي أقرب إلى تفسير ما حدث وما يحدث للمسلمين اليوم؛ ذلك أنهم عندما تهاونوا في الصلاة، ومنعوا الزكاة، وتسابقوا في مضمار الشرِّ، وحاربوا الخير.. لم يجدوا عند الله غير الذل والهوان، وما ربُّك بظلاَّم للعبيد.
والآية 110 من سورة آل عمران، هي قوله تعالى: [كنتم خير أمَّة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتومنون بالله…]. تفسِّر بما لا يدع مجالا للشكِّ ما مني به المسلمون من هزائم ولا يزالون.. فأين هي الخيرية، وهل المسلمون اليوم يأمرون بالمعروف كما أمر الله، وينهون عن المنكر كما أمر الله.. أم أنَّهم قلبوا الآية فأمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف: في أجهزة الحكم، وفي الإعلام، وفي المدارس والجامعات… الخ. والحق أنَّ من يبتغي العزَّة من غير الله أذلَّه الله.
واقرأ إن شئت القرآن كلَّه، فلن تجد تفسيرا غير الذي ذكرتُه، وليس الأمر مقتصرا على الآيات المرقَّمة بـ110 فقط!.
وأخيرا، هل ما نُقل في هذه الوثيقة تفسيرٌ لكلام الله تعالى؟ وهل يجوز شرعا أن يفسَّر القرآن بالرموز وبالتغريب؟ ثم ما حكم من فعل ذلك؟ ألا يدخل فيمن حقَّ عليه الويل مما كتبت يداه، وحلَّ عليه الويل ثانية مما يكسب من سيئات؟
الواضح والأكيد أنـَّه لا يجوز تصوير هذه الوثائق، ولا نشرها، ولا بيعها في الدكاكين قصد الربح الخبيث، ولا الاعتقاد بما جاء فيها من خرافات، فمن فعل ذلك فقد أثم لا محالة، وعليه المسارعة في التوبة، والرجوع إلى كتاب الله تعالى بما أمر به: من التدبُّر في آيه، والائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه.. ومن تمادى تمادى في المعصية، ومن أنكر أو جحد جهلا فلا عذر له.
أمَّا من خطَّط لمثل هذه الورقات، وعمل على إبعاد الناس عن قرآنهم، وتضليلهم في شريعتهم، فلا محالة أنـَّه إلى الكفر أقرب منه إلى الإسلام.
وأمَّا من أخطأ، ثم تاب واستفغر، فإنَّ الآية 110 من سورة النساء جاء فيها: [ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما]. والله تعالى يقول [وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى].فلنتق الله فيما نأتي، ولنتَّق الله فيما نذر.. [ولينصرنَّ الله من ينصره].