ارتأيت أن أستدعي القارئ الكريم، وأنا أعارك الكتابة، ولا تواتيني، لصعوبة الموضوع، ولصعوبة الظرف؛ فالصيف صيف، والقطب قطب، والزمن زمن… ثلاثية يتعذر فك شفرتها؛ وإني بعد وقت غير يسير من الشده، ومن طول القراءة والتأمل، ومن إمعان النظر في النصوص والوثائق… تمكنت – بحمد الله تعالى – من خط الصفحات الأولى من العمل العلمي: “صورة الزمن عند قطب الأيمة الشيخ اطفيش”… فكانت هذه الفاتحة فاتحة خير؛ أتقاسمها مع القراء الأفاضل، عملا بقاعدة عملية لدى القطب وهي “أن العلم يزكو بالصدقة”، وصدقة العلم نشره وعدم الاستئثار به.
فإليك أخي – أختي – ما جادت به القريحة، فتقبله مني هدية من محب:
“حتى أكتب عن قطب الأيمة الشيخ امحمد بن يوسف اطفيش اضطررت أن أنتقل إلى البيئة التي كان يعيش فيها يومياته؛ لا لأتعرف عليها، فهي نفسها البيئة التي ولدتُ فيها وعشت صبايَ بين أكنافها (بني يسجن)، إلى أن انتقلت إلى الجامعة فغادرتها إلى شمال الجزائر؛ لكن، لأتمثل تفاصيل ما قرأتُ عن القطب بقضها وقضيضها؛ ومن ذلك مثلا، أني جلست للتأليف صيفًا، واجتهدتُ في توفير الظروف الملائمة لذلك؛ وقطب الأيمة كان يؤلف صيفًا، في حرارةٍ شديدة، والجلوس للعلم ليس بالأمر اليسير، بخاصة مع القيلولة الطويلة والحارة، التي تأخذ من اليوم ربُعه تقريبا؛ كذا قِصر الليل الذي يفرض القيام سحرًا، ولا يكون المرءُ قد نام سوى ثلاث ساعات أو يزيد قليلا؛ فإذا ما فرض على نفسه البكور كما كان القطب يفعل، فإنه يجد عنتًا شديدًا، ويحتاج إلى همة وصبر جميل…”
إلى هنا انتهى الاقتباس، والسؤال يطرح نفسه على كل واحد منا:
ترى كيف أستثمر وقتي في العطل بعامَّة، وفي الصيف بخاصة؟
وما علاقتي بالأوقات المباركة: السحر، الفجر، الظهيرة، ما بين العشاءين…؟
أما أنا فأقر أني فقدت التوازن بداية الصيف، ولم يكن من اليسير استعادة برنامجي الزمني المعهود، لكني أجاهد نفسي، وأغالب الظروف، وأقاوم الكسل، وألوذ بالغاية والرسالة، وأضع بين عيني المهمة التي أنا بصددها، ثم أقسو على نفسي باللوم الشديد، حين أضيع من الوقت ما الله به عليم.
والله تعالى هو المعين، وهو الوكيل، وهو الكفيل…
“نعم المولى، ونعم النصير”.
————-
ملاحظة: نشرتٌ جملة من المؤلفات حول صورة الزمن عند العلماء، منها: صورة الزمن عند الشيخ ابن باديس، عند المؤرخ محمد علي دبوز، عند المفكر محمد إقبال، عند الأديب محمد ناصر… الخ.