“الوقت وعاء خلِق ليُعمر، والفراغ هو عدوُّ الإنسان” تلكم هي الصورة الإدراكية للزمن عند الإمام ابن باديس، فليس الزمن عنده “سيفًا”، ولا هو “مِن ذهبٍّ” كما هو معتاد في الأدبيات العربية الكلاسيكية، ولا هو “مالٌ” كما يصوَّر في المثل الانجليزي والغربيِّ بعامَّة؛ ذلك أنَّ الزمن محايِدٌ، والذي يصنع قيمته هو “فعلُ الإنسان”، أمَّا صورة “السيف” فهي صورةُ “عداءٍ وترقُّب وخوفٍ” مِن الزمن، أن يقطعك إذا أنت لم تقطعه.
وأمَّا صورة “المال والذهب” فهي أقربُ ما تكون إلى الرؤية المادية الصِّرفة، وهي صورة دافعة إلى تحصيله وكنزه؛ فضياعه ضياعٌ للمال وللذهب، واكتسابه غنى وثراءٌ، وعلى عتبات هذه الرؤية الكونية يضيع النفَس الإنسانيٌّ، ويتبخَّر البعد الإيمانيُّ، ولا يبقى للعمق الأخلاقيِّ أيُّ معنىً إلاَّ ما تبرِّره الغاية من وسيلةٍ، وما تستدعيه الفلسفة الوضعية من محسوس ومحسوب.
إلاَّ أنَّ صورة “العَمار” هي الصورة المفسِّرة لمفهوم “النعمة” الوارد في الحديث الشريف؛ والنعمةُ في ذاتها لا تكتسب المعنى إلاَّ بإسنادها إلى “المنعِم”، وهو الله سبحانه وتعالى؛ ثم باعتبار طريقة تلقِّيها من “المنعَم عليه” أي الإنسان؛ فإن هو شكر كان أهلاً لها، وإن هو كفر فإنَّ العذاب الشديد من الله تعالى يحيق به: “وإذ تأذَّن ربُّكم لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إنَّ عذابي لشديد