أطالع كتابين في آن واحدٍ: الأوَّل هو “تاريخ التراث العربي” قسم علم الفلك، للبروفيسور فؤاد سوزكين؛
والثاني بعنوان “الزمان والمكان اليومَ” لمجموعة من المفكرين الفرنسيين، ترجمة محمد وائل الأتاسي.
أمَّا الأوَّل فيؤكد بالوثائق والمخطوطاتِ، وبالبحث طويلِ النفس لعشرات السنين، أنَّ المسلِمين أنتجوا علوماً كثيرةً، وأبدعوا نظريات أصيلةً، ففي مجال الزمن والفلك مثلا، يُنسب إليهم إمَّا تطويرا وإما استقلالا “علم المثلثات”، و”علم الكواكب الثابتة”، و”علم القبلة”، و”علم السموت”… الخ.
وأمَّا الكتاب الثاني فيركّز على نقطة واحدةٍ هي أنَّ “الغرب” هو الـمُبدئ والمعيد، وهو السيِّد الوحيد، في صناعة علوم الزمان والمكان؛ فعلماء الغرب وحدَهم هم الذين صاغوا النظريات، ونحتوا المصطلحات، وأسَّسوا المناهج، وبنوا العلوم… أمَّا غيرهم فهو الهامش، وهو الشارح، وهو التابع؛ ولا دور له البتة في ذلك؛ بل لا ينبغي أن يكون له دور أساساً.
وفي مقدّمة كتاب “الزمان والمكان اليوم” بشَّر المؤلفون أنهم في آخر الكتاب سيعرضون فصلا “للآخَر” ورؤيته للزمان وللمكان؛ إلاَّ أني حين انتهيت إلى هذا الفصل وجدت الآخر مدروسًا بمنهج “أنتروبولوجي”، مما يسميه سيد حسن نصر “العلوم الاستعمارية الزائفة”، واضعا كمثال إحدى المجتمعات البدائية “المجتمع الأوروكيفي” من مناطق غينيا الجديدة؛ وبالطبع يكون الزمن والمكان عند هؤلاء في صورته البدائية؛ ويظهرُ الغرب متفوقا عليه في الدقة، وفي العمق، وفي المنهج… الخ.
ويتساءل الباحث الجادُّ:
هل يحُّق للعالـِم في الشرق أن يدَّعي أنه صاغ مفهومًا، أو أسَّس علما، أو ابتكر منهجا؟
أم أنَّ هذه مهمَّة السيّد، ورسالة المستعمِر، وحقٌّ حصريٌّ للغالب لا ينازعه فيه أحدٌ.
أنا لا يؤلمني أن أقرأ كُتبا ومقالاتٍ من متخصصين غربيين ينحون هذا المنحى؛ فالشيء مِن معدنه لا يُستغرب، والاستعمار الفكري والعلمي سابق للاستعمار السياسي والعسكري؛ لكنَّ الذي يؤلمني أن يكون منَّا نحن في الشرق علماء، أو مشتغلون بالعلم، هم “ملكيُّون أكثر من الملك”، “غربيُّون أكثر من الغرب”؛ وليس لهم من تنكرهم سِوى الانبهار، والجهل بحقيقة الأمر، وعدمُ الصبر في القراءة، وفي المقارنة، وفي التحقيق.
يبقى السؤال مفتوحا، وأنا أعالج دعوى التأسيس “لعلم الزمن والوقت”.
والله الموفق للصواب.
د. محمد باباعمي
باسة وافضل، بني يسجن
16 محرم 1444ه/14 أوت 2022م