ظلَّ “العلم” على إثر “السياسة” مهتما بالخاصَّة، وبخاصَّة الخاصَّة عبر تاريخه؛ بل إنَّ تاريخ البشرية كُتب غالبا “تحت ظلال السيوف”، و”بين أروقة القصور”؛ أمَّا “تاريخ العلوم” فقد عرف “تحيزات عرقية” كثيرة، و”صراعات إيديولوجية” خطيرة؛ صبغت “مناهج التأليف”، و”المفاهيم”، و”المواضيع”، و”التوجيهات المعرفية والفكرية”، بل وحتى “نسبة الجديد إلى صاحبه” لم تكن دائما بريئة، وإنما هي نتاج المنطلق والرؤية والإطار.
ولو أخذنا “الزمن والوقت” محورا لمقالنا هذا، وحاولنا قراءة هذه الأطروحة في سياقه المعرفي؛ فإنني نسجل الأمثلة الآتية:
أولا– كتب التراجم والرجال: تعتني غالبا بالزمن عند “العلماء” بشتى اختلافات مفهوم العلم، و”الناجحين” مع يعرفه مدلول النجاح من انحراف؛ ومن ثم ضاع الزمن الذي هو “خاصية من خواص الإنسان” في حياته اليومية: الفلاح، والتاجر، وربة البيت، والمؤذن، والرجل الاجتماعي…
نقرأ مثالا لذلك كتاب “قيمة الوقت عند العلماء” لعبد الفتاح أبي غدة؛ وهو يترجم لكبار “علماء الشريعة والأدب” غالبًا؛ ويورد قصصا وروايات وأمثلة من يومياتهم؛ وفي كثير من الأحيان نقرأ مبالغات تصل إلى حد الاستحالة؛ قصد الإعلاء من شأن ذلك العالم في علاقته بالوقت، وفي تنظيمه لبرنامجه اليومي، وفي استغلاله للساعات والدقائق والثواني في التأليف، والتدريس، والعبادة…
ثانيا– السير الذاتية والمذكرات: كثيرٌ من السير الذاتية للعلماء، وللزعماء السياسيين… تورد علاقتهم بالوقت، وتعرض نماذج من استثمار الوقت في حياتهم العملية، وقليلا ما اهتمت بالحياة الخاصَّة؛ وبالجانب الإنساني من الشخصية المترجم لها.
ثالثا– كيف تكون ناجحا؟: يعج مجال إدارة الوقت بكتب من مختلف اللغات، حول “أسباب النجاح”، و”أسرار استغلال الوقت”؛ وهي تفسّر النجاح بطرقٍ كمّية فاضحةٍ؛ فتجعل من “عدد المبيعات”، ومن “الشهرة”، ومن “الانتشار العالمي”… غايةً قصوى لإدارة الوقت؛ أمَّا التوازن الهادئ، ونفع الخلق في صمت، والكينونة بهدوء… فهي في قاموس هذه الكتب ليست من النجاح في شيء.