نحو تفسير للقرآن الكريم،من موشور علم الزمن والوقت

في البحث الذي أنجزته أواسط التسعينيات بعنوان “مفهوم الزمن في القرآن الكريم”، بذلت جهدا في استخراج مادة “الزمن والوقت” من القرآن الكريم؛ وانتهيت بعد “القراءة المصحفية” المتأنية، والمراجعة الدقيقة لجملة من “فهارس القرآن الكريم”، إلى حصر أوَّلي للمادة المباشرة في دلالتها على “الزمن والوقت”: سواء في ذلك الألفاظ أم الأساليب؛ أمَّا المادَّة غير المباشرة فذكرتُ أنها وافرة كثيرة بحيث قد يستحيل حصرها، ومثّلت لذلك بالحروف التي هي “وحدات زمنية” بالضرورة، وكذا “الأفعال” في جملتها، فهي ذات بعدٍ زمني لا محالة، وأما في الأساليب فأوردتُ أمثلة كثيرة، أعرِض منها مثالين:

قوله تعالى “لم يلد ولم يولد” قال الزمخشري: “في الآية وصف بالقدم والأزلية”، وليس ضمن الآية كلمة واحدة دالَّة على الزمن دلالة مباشرة؛ ويمكن التعبير عنها – بصورة تقريبية – بمفهوم رياضي هو “اللانهاية” يرمز له بـ: (- ∞، + ∞).

وكذا قوله تعالى عن الكافرين: “قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ، قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ“، ففي الآية طلبٌ من الكفَّار للعودة إلى الماضي، ويكون الجواب المبْكت المسكت من الله تعالى: “العودة إلى الماضي أمرٌ مستحيل”، أي أنَّ حركة المخلوق من نقطة زمنية إلى نقطة سابقة غير متاح؛ فلا تسألوا الله ما يخالف سنن الكون. و”السفر في الزمن” موضوع فلسفي أدبي عالجه الكثيرون، لعلَّ أشهرهم “ويلز” في روايته “السفر في الزمن”؛ ولقد عالجتُه من منطلق قرآني ضمن الحركة في الزمن، وبالذات ضمن الحركة المناقضة للسَّننية، وذلك في “مفهوم الزمن”. 

واليومَ، وأنا أضع أسس “علم الزمن والوقت” لا بديل من اعتبار القرآن الكريم “هو المصدر الأوَّل والأساس لمادة الزمن والوقت”، أمَّا المصادر الأخرى فهي تابعةٌ، وهي لا تملك نفس الخصائص ولا ما يشبهها: من الإطلاق، والصدقية، والوضوح، والدوام، والتجدد، والتجاوز، والهيمنة، والسعة…

وفي هذا السياق أعمد إلى “المصحف الشريف” وأعيد التجربة التي غصتُ فيها قبل خمس وعشرين عامًا، يوم جلستُ إلى المصحف الشريف شهورا، أتفكَّر في بحار كلام الله تعالى وأدَّبَّر في سفوحه وخلجانه، أستخرج الألفاظ والأساليب، وأسجّل الملاحظات والخطرات، وأرسم الجداول والبيانات، إلى أن أتممت بحثي فكان له من الأثر الطيب ما لا يخفى؛ فقد نسج على منواله العديدُ من الباحثين، في جامعات وطنية ودولية كثيرةٍ، ولقد أحصيت بعض هذه البحوث وتحصلت عليها.

ثم كانت لي جولات مماثلة مع “الزمن والوقت” من خلال “أصول البرمجة الزمنية”؛ وكذا جملة من العناوين في هذا الشأن؛ وكتب الله تعالى لي من فضله سفرا آخر مع كلام الله تعالى، من خلال “بذور الرشد”، بخاصَّة ما تم من تفسير لجزء الرحمن (الرحمن-الناس).

واليومَ، ضمن “نموذج الرشد”، وتحت راية “تفسير الرشد”، وفي سياق التأسيس المعرفي “لعلم الزمن والوقت”، أعاود الكرَّة، وأسجل ما يعنُّ لي من “دلالاتٍ غير مباشرةٍ على الزمن والوقت في القرآن الكريم”، معتقدا أن لا حدَّ لها ولا حصر، وأنها من أبلغ أدلة ربانية القرآن الكريم… 

ولقد يسَّر الله تعالى تفسير سورة الفاتحة، ثم تفسير آيات من مختلف السور، من موشور “علم الزمن والوقت”، غير أنها لم تطبع بعد؛ ولم يتمَّ تداولها وقراءتها ونقدها؛ نسأل الله سبحانه التوفيق والسداد.

عن د. محمد باباعمي

د. محمد باباعمي، باحث جزائري حاصل على دكتوراه في العقيدة ومقارنة الأديان، سنة 2003م، بموضوع: "أصول البرمجة الزمنية في الفكر الإسلامي مقارنة بالفكر الغربي"، وحصل على الماجستير في نفس التخصص سنة 1997 بموضوع: "مفهوم الزمن في القرآن الكريم"، وعلى دبلوم الدراسات المعمقة في العقيدة والفكر الإسلامي، سنة 1994م، بموضوع: "مراعاة الظروف الزمنية والمكانية، والأحوال النفسية، في تفسير الآية القرآنية". صاحب الدعوى العلمية لتأسيس "علم الزمن والوقت"، بإشراك ثلة من الباحثين والأساتذة. للاطلاع على السيرة الذاتية التفصيلية: https://timescience.net/2021/11/13/%d8%a8%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%b9%d9%85%d9%8a-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%89-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%b0%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%a9/

شاهد أيضاً

في وعي الإنسان بالوقت :: 04

النومُ آيةٌ من آيات الله ﷻ، لا يدركها إلاَّ من يتفكَّر ويُعمل عقلَه؛ أمَّا الغافل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *