إنَّ مبرر استقلال “الزمن والوقت” بعلم جديد، يستمد شرعيته من اعتبارين اثنين، أي يمكن أن ينظر إليه من زاويتين اثنتين:
الأولى– من حيث المنهج بكل أبعاده ومكوّناته: الرؤية الكونية، المصادر المعرفية، مناهج الاستدلال، فلسفة العلم، الأبعاد المعرفية والوجودية، الأسس والمنطلقات، الغايات والنهايات، الأهداف والوسائل، الإجراءات والمراحل، الوصل والفصل، التخصص وتجاوز التخصص، التعميم والتخصيص، التحيز والإقصاء، المفاهيم والمصطلحات… الخ. ولا ريب أنَّ الزمن اليومَ رهين المدرسة الوضعية الغربية، في كل مستوياته وبكل مجالاته، وضمن المدرسة الوضعية تستأثر الفيزياء بالحصَّة الأسد في شرعية القول عن الزمن، يقول ريشنباخ في كتابه حول “اتجاه الزمان”: “ليس ثمة طريق آخر لحل مشكلة الزمان غير طريق الفيزياء”.
وتقف الفلسفة في الجهة المقابلة من الفيزياء حين يتم تناول الزمن من مداخل فوق علمية (بالتعريف الوضعي للعلم)؛ وتنتهي العلوم غالبا إلى معايير ومقاييس، ومعادلات رياضية، وعلوم جديدة… أمَّا الفلسفات فنهايتها إلى نظريات، وإلى مدارس، وآراء متعارضة بل ومتناقضة في أكثر الأحيان.
الثانية– أن تتحوَّل “العلوم الزمنية”، و”النظريات الزمنية”، و”النتاج الزمني” برمَّته، ومن جميع مداخله إلى “موضوع لعلم الزمن والوقت”؛ فيصدُق أن نسميه، بهذا الاعتبار: “علم علوم الزمن والوقت”، أو “ما حول علوم الزمن والوقت” (باعتماد منهج الدكتور موساوي في الماحول)؛ فيحاول إحصاء هذه العلوم والنظريات، وفرزها، وتصنيفها، وتحليلها، ومقارنتها، والترجيح بينها… سعيا لبناء علم متكامل يعالج هذه العلوم، ويؤسس خريطة واضحة المعالم بينة الأسس لما أنتجه الفكر من قراءة في الزمن والوقت عبر التاريخ. سواء ما كان من هذه العلوم مباشرا، من مثل “علم المواقيت”، “علم التقويم البحري”، “علم اجتماع الفراغ” مثلا؛ أو ما كان منها غير مباشر، من مثل: “علم النحو”، “علم الزراعة”، و”علم الطب” من المدخل الزمني…
والغرض من الاعتبارين والزاويتين هو فكُّ الحصار عن حالة “اللاوعي”، و”التبعية”، و”الاعتذارية”، و”الاستسلام للأمر الواقع” في العلوم بعامَّة، و”علمُ الزمن والوقت” مثالٌ وأنموذجٌ وحالةٌ للتطبيق؛ غير أنَّ التحوُّل لن يكون بصيغة جدليَّة، من نقيضٍ إلى نقيضٍ؛ أي أنَّ التحوُّل لن يكون إقصائيًّا، ولا ادعائيًّا، فالخطأ لا يبرّر للخطأ، والانحراف لا يعالج بانحراف مثله.
ومرشدنا في ذلك قوله تعالى: “ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ “؛ فهذه الآية الكريمة، بقدر ما هي توجيه أخلاقي متين، هي كذلك قاعدة وأساس منهجيٌّ مكين، أضاعه الشرق لضعفه، وتنكَّر له الغرب لغطرسته، وبقي بين هؤلاء وأولئك ثلَّة من المرابطين على الثغور المعرفية، بصدق وإخلاص، فلنسأل الله أن يجعلنا منهم، وأن يوفقنا لسواء السبيل.