الزمن علمًا، الوقت عملاً

تنوَّعت الدلالات الفكرية والعملية للزمن في آيات كثيرة، وبألفاظ ومصطلحات “لم تدرس بعد الدراسة الكافية” في اعتقادنا؛ لكونها متجاوزة للشكل الخطي المبسَّط إلى الشكل الحلزوني المكثَّف؛ وليس أدلَّ على ذلك من دلالة “أمَّة” على الوقت، وكذا “العصر”، و”القيامة”… الخ.

حين نترجم نصا عن الزمن والوقت من العربية إلى اللغات الأخرى، أو من أي لغة إلى العربية؛ فإنَّ أوَّل ما يثير انتباهنا هو “ترادف اللفظين” واتحادهما في اللغات (الإنجليزية والفرنسية نموذجا)؛ ذلك أنَّ “الزمن” في القاموس يترجم إلى (temps/time) كذلك لفظ “الوقت” يترجم إلى (temps/time)، وكذلك الزمن بصيغة “الزمان” يترجم إلى ذات الصيغة([1]).

غير أننا في بحوثنا نفرق بين الألفاظ الثلاثة، فهي من زمرة مفهومية واحدة، ولكن بينها تباين حين التدقيق وابتغاء التثبت العلمي.

فالزمن هو أكثر الألفاظ تجريدا، وهو دالٌّ على جميع المعاني التي تحيط بها هذه المادَّة.

أمَّا الوقت فهي خاصَّة بما هو عمليٌّ، محسوسٌ، محسوبٌ: نفسيًّا، أو فلكيًّا، أو آليًّا…

والزمان هو الزمن، لكن لا يطلق إلاَّ إذا كان في السياق مقابلا للمكان: الزمان والمكان؛ وإذا انفرد عاد إلى صيغته الزمن.

وفي هذا التفريق إحالة إلى أنَّ الزمن والوقت يقع بين ما هو: علميٌّ، فلسفيٌّ، فكريٌّ، ثقافيٌّ، مجرَّد؛ وما هو: عمليٌّ، حركيٌّ، حضاريٌّ، مجسَّد. ولكن ليس في نقطة وسط، أو تقاسم رياضي؛ وإنما بصيغة مركَّبة، بناء على الرؤية الكونية التوحيدية، وعلى أساس نظرية الوجود ونظرية المعرفة في الفكر الإسلامي المؤسَّس على منطلقاته الجوهرية: القرآن، والسنة، والفكر الإسلامي عبر تاريخه المتفاعل.

ولأنَّ القرآن الكريم “يؤكد على العمل أكثر من تأكيده على الفكر” كما يقرر محمد إقبال في أوَّل جملة من كتابه “تجديد الفكر”؛ فإنَّ لفظ الزمن مجردا لم يرد ولو مرَّة في ثنايا كلام الله تعالى؛ بل الوارد هو “الوقت” بجميع الصيغ والتصاريف([2])؛ وكذلك تنوَّعت الدلالات الفكرية والعملية للزمن في آيات كثيرة، وبألفاظ ومصطلحات “لم تدرس بعد الدراسة الكافية” في اعتقادنا؛ لكونها متجاوزة للشكل الخطي المبسَّط إلى الشكل الحلزوني المكثَّف؛ وليس أدلَّ على ذلك من دلالة “أمَّة” على الوقت، وكذا “العصر”، و”القيامة”… الخ.

فهل نقول: “علم الزمن والوقت”، أم “علوم الزمن والوقت”؟

لا بدَّ من التنبيه إلى أنَّ العلم تنتظمه مصطلحات، ومقدمات، ومسلَّمات، ومناهج، ووسائل، وأهداف، وغايات، وعلاقات، وتناقضات، وسياسات… ومجال “الزمن والوقت” لم يعرف مثل هذا الضبط؛ ذلك أنَّه يتراوح بين “الموضوع” و”المنهج”، و”الوسيلة” و”الغاية”، و”المجرد” و”المجسَّد”… فهو هلاميٌّ هلامية “الزمن نفسه” حين نفكر فيه؛ فهل هو “معيار” أم هو “مادة لها معيار”؛ هل “نهر الزمن” (حسب الرؤية الخطية القديمة) دالٌّ على الماء، أم الحركة، أم الوعاء؟

وإذا ما اخترنا الرؤية الحلزونية، فهل الزمن “جوهر ذلك الحلزون أم هو عرَضٌ”، وهل هو الذي يحدد الوجهة رياضيا وفلسفيا، أم أنَّه يتبع وجهة محدَّدة مسبقا؟

ثم ماذا عن “مشروع الزمن والوقت”؟

هل هو محاولة معرفية في المصادر، وفي التراث، وفي العلوم القديمة والمعاصرة، لمقاربة الزمن؟

كلُّ زاوية من زوايا الزمن والوقت تحتاج إلى جيش من الباحثين والعلماء، وتستنزف وقتا ومالا، وننتهي – ولا ريب – بسؤال جدير: ما الذي خرجنا به عمليا وحضاريا، بعد هذا الجهد العلمي الثقافي؟

هنا، نعود إلى “نموذج الرشد” ولم نغادره؛ ونؤكد على حركية الفكر والفعل، وأنَّ الغاية دوما هي إرضاء الله تعالى؛ وأنَّ الرسالة هي “الإسهام في إرشاد الأمة، بمنهج علمي، من منطلق قرآني”؛ والهدف هذه المرَّة، أن يكون من مدخل “علم الزمن والوقت” و/أو “علوم الزمن والوقت”.

ذلك، أننا ننوي أن نؤسس لهذا العلم، وندافع عنه، ونصوغ منطلقاته، ونعين مناهجه ووسائله؛ وأوَّل خطوة في هذا السبيل – بناء على هذه المرحلة – تكمن في التغيير الجذري في الآتي:

  • الرؤية الكونية التوحيدية، عوض الرؤية المادية الإلحادية
  • حركية الفكر والفعل بديلا عن الاستغراق في النظريات، والآراء، والتبجح بالمفاهيم والمصطلحات الجوفاء.
  • ملازمة “إرشاد الأمَّة” في مستوياتها المنداحة: المدرسة، الشارع، الجامع، الجامعة. وهو غير الإطلال من برج نظري مغلق.
  • الفرق مع الممارسة الفكرية السابقة، هو وجود تمثل في الموضوع “الزمن والوقت” (متحف، معالجة، تكوين….) إضافة إلى التمثل التربوي؛ وهذا يساعد على الوضوح، وعلى الفعالية…

تمكَّنتُ من خلال “الزمن والوقت” أن أتحرَّر من كثيرٍ من القيود، وأن أتفادى العديدَ من المزالق: الوظيف، الرغيف، الكلأ المباح، السعة، الفراغ، القيد، الإلف، الملل…

وهذا استقراء لعلوم الزمن والوقت، من خلال تراجم الأعلام، ونتاجهم الفكري، عبر التاريخ الإسلامي الممتد؛ ومنه ما هو مجال يحوي عدَّة فنون وفروع:

الزمان والمكانالفراغ العلاقة 
النجوم والتنجيمالعلل القريبة والبعيدة العلل الفاعلة القريبة العلل البعيدة والتنجيم 
الزيج والجداول  
الكواكب:علم الكواكب الثابتة شروق الكواكب وغروبها 
النيرين: الشمس والقمر  
الأرضالميل الأعظم 
الكسوف والخسوفمن وجهة نظر النجيم 
السطح والكرةاستخراج الساعات على نصف كرة بالهندسة حساب السمت على الكرة. 
السُّموتحساب السمت على الكرة. 
تحديد القبلةخط نصف النهار وتحديد سمت القبلة 
المطالع والمنازل  
البروجنسبة البروج إلى البلدان 
الأزمنة والأنواء  
الآلات “وسائل القياسالأسطرلاب المزولة الساعات والبانكمات الصفيحة ذات الربع ذات الشعبتين الرخامة المنظار الفلكي ذات الحلقصناعة الأسطرلاب
الحركةحركة الشمس والقمر حركة الأرض السرعة والإبطاء في حركة الكواكب 
الأبعادآلات استخراج الأبعاد بين الأجرام 
الرؤية البصريةبين الحساب والرؤية رؤية الهلال أغلاط الرؤية وتصحيحها 
الشعاعاتمطرح الشعاعات 
النومماهية النوم 
الأرق  
الرؤيا  
التقويمتحويل السنين 
الفصولالاعتدالان الصيفي والشتوي الانقلابان الربيعي والخريفي 

[1]  – ص9. تحقيق محمد يوسف عدس؛ طبعة مكتبة الإسكندرية، مصر، 2011م. يلاحظ أنَّ عنوان كتاب محمد إقبال هو “تجديد الفكر الديني” ومع ذلك بدأه بعبارة تؤكد على العمل، وأحال إلى القرآن الكريم؛ وأحسب أنه لو أسس عمل آخر بعنوان: “تجديد العمل في الفكر الإسلامي”؛ لأنَّ العمل ضاع بين ثنايا النصوص الطويلة، والواقع المرير.

[2]  – وانظر- باباعمي: أصول البرمجة الزمنية؛ ص35 وما بعدها. نشر دار الأوائل، سورية؛ 2006م.

عن د. محمد باباعمي

د. محمد باباعمي، باحث جزائري حاصل على دكتوراه في العقيدة ومقارنة الأديان، سنة 2003م، بموضوع: "أصول البرمجة الزمنية في الفكر الإسلامي مقارنة بالفكر الغربي"، وحصل على الماجستير في نفس التخصص سنة 1997 بموضوع: "مفهوم الزمن في القرآن الكريم"، وعلى دبلوم الدراسات المعمقة في العقيدة والفكر الإسلامي، سنة 1994م، بموضوع: "مراعاة الظروف الزمنية والمكانية، والأحوال النفسية، في تفسير الآية القرآنية". صاحب الدعوى العلمية لتأسيس "علم الزمن والوقت"، بإشراك ثلة من الباحثين والأساتذة. للاطلاع على السيرة الذاتية التفصيلية: https://timescience.net/2021/11/13/%d8%a8%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%b9%d9%85%d9%8a-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%89-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%b0%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%a9/

شاهد أيضاً

في وعي الإنسان بالوقت :: 04

النومُ آيةٌ من آيات الله ﷻ، لا يدركها إلاَّ من يتفكَّر ويُعمل عقلَه؛ أمَّا الغافل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *