أطالع هذه الأيام الصيفية كتابين هما: “قلق المعرفة” لسعد البازعي، و”المدخل الوجيز إلى قضايا الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر” لأحمد عيساوي؛ والجامع بين الكتابين هو سؤال الحضارة في مستوياته المعرفية والوجودية؛ أي:
كيف نفهم تخلُّف الأمَّة الإسلامية اليومَ عن ركب الأمم حضاريًّا؟
وكيف السبيل إلى الخروج من هذه الحال إلى حال التمكين والحضارة؟
وهل ذلك ممكن أساسًا؟
وفي خطّ الزمن، كم يستهلك منَّا من سنوات أو عقود أو قرون؟
ذلك أنَّ الثمرة في منطقنا ليست ضمن مسؤوليتنا، وإنما الجهد، والصدق، والصبر، والمداومة، والتداول، وابتغاء الأقوم… كلُّ ذلك يقع تحت إرادتنا، وسنسأل عنه يوم العرض الأكبر…
د محمد باباعمي
وكذلك أعيش – مثل أيّ مسلم له بصيرة، وهو حاملُ لهمِّ الأمَّة – ظروفا قاهرة، لا تشبه من قريب ولا بعيد ما عاشه الجيلُ الذي سبق؛ بل لا تشبُه حتى ما عشناه في العقود الماضية؛ ذلك أنَّ حالة الوباء والحروب البيولوجية؛ وحقيقة الحروب الكونية الكبرى من مثل حرب أكرانيا، والهيمنة الإعلامية والاقتصادية بوسائل رقمية جديدة؛ بل وحتى حالة العداء الذي بين البلاد الإسلامية المتجاورة…
كلُّ ذلك يقابله وضعٌ وطنيٌّ صعبٌ؛ يجمع بين إرادة الانتقال إلى مصافّ البلاد المتحضّرة من بعضِ الجهات، وإرادة الركون والركود الذي يمارسه الكثيرون بمختلف وسائل الفساد وطرقه؛ مما أفقد الأمل في المجتمع، وزرع اليأس بين الناس؛ حتى كادت عبارة “متى الصبح يا بلدي؟!” لا تغادر الشفاه؛ ولا تُستثنى أحيانًا مبادرات، وإنجازات، ومحاولات تعيدُ اليقين إلى النفوس، وتبعث على التفاؤل، إلاَّ أنها لا تزال تمثل القلَّة المحيية المغلوبة في مقابل الكثرة المميتة الغالبة…
والذي أردتُ أن أنبّه إليه، هو أنَّ أيَّ قراءة لواقعنا إذا لم تستحضر المعطيات الجديدة، وإذا لم تكن جماعية، وإذا فقدت الرؤية الكونية التوحيدية، وإذا أضاعت المعرفة العميقة بالعصر… فإنها، ولا ريب، ستكون محاولةً فاشلةً؛ وستحمل من الهموم أكثرَ مما تحمل من الحلول؛ والحلولُ أساسا تكون بمبادرات في الواقع، وفي الميدان، وفي خط الزمن… مهما كانت هذه المبادرات صغيرة، أو أوليَّة؛ إلاَّ أنها تسمح بنضج الفكرة والفكر، وبتقوية النموذج والمثال، وباكتساب الخبرة وطول النفس…
سوف لن نكلَّ ولن نملَّ من التفكير، ومن استلهام المنطلق من القرآن الكريم، ومن السنة الطاهرة، ومن التراث الزاخر؛ مع القراءة الجادَّة والمتأنية للواقع، في جميع مستوياته ومراتبه وتمثُّلاته؛ ولقد نهتدي إلى بصيص الأمل للخروج من عنق الزجاجة، ولقد نفشل في ذلك؛ ذلك أنَّ الثمرة في منطقنا ليست ضمن مسؤوليتنا، وإنما الجهد، والصدق، والصبر، والمداومة، والتداول، وابتغاء الأقوم… كلُّ ذلك يقع تحت إرادتنا، وسنسأل عنه يوم العرض الأكبر…
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل…
محمد باباعمي، الجزائر العاصمة
5 محرم الحرام 1444ه، 3 أوت 2022م