من اليقين إلى القابلية للتفنيد

بسم الله الرحمن الرحيم

علم الزمن والوقت (من اليقين إلى القابلية للتفنيد)

هل علم الزمن ممكن؟ أم هو غير ممكن؟
كيف نقرأ هذه الجدلية من زاوية الموضوع والمنهج على السواء؟
كنتُ في أطروحة الدكتوراه، قبل عشرين عاماً، ذكرت أنه “ليس ثمة علم يصدق عليه اسم “علم الزمن”” وبينت أنه “يمكن تجاوزا أن نقول: العلوم الزمنية، وهي العلوم التي اتخذت الزمن منطلقا لها في دراسة مادتها”.
واليوم أدافع في “دعوى تأسيس علم جديد” عن إمكان وجود علم هو “علم الزمن والوقت”؛ وذلك من زاويتين اثنتين: المنهج، والماحول (كما هو مبسوط في الكتيب التعريفي لعلم الزمن والوقت t.me/Time_Science/32).
كيف يمكن أن نجمع بين النفي والإثبات، بين الاستحالة والإمكان؟
أساس الإشكال في تعريف العلم، فالأطروحة نحت في تعريف العلم المنحى المدرسي، ونقلت من المناوي هذا التعريف: “العلم هو الاعتقاد الجازم، الثابت، المطابق للواقع… هو صفة توجِد تميزا لا يحتمل النقيض”، وهو كذلك “حصول صورة الشيء في العقل”.
ومن ثم فإنه لا أحد من العلماء ادَّعى أو يدَّعي “أنه حصل على اعتقاد عن الزمن جازمٍ، ثابتٍ، مطابقٍ للواقع؛ ولا أنه استطاع أن يدرك شيئا يسمَّى نقيض الزمن. وبالتالي فإنَّ حصول صورة الزمن في عقل أي إنسان مما ينتفي عقلاً”.
وبهذا المعنى، لم يتغير شيءٌ، حتى ضمن “دعوى تأسيس علم جديد”؛ فالعلم بذات الزمن وحقيقته مما ينتفي عقلا وواقعا؛ لكنَّ الذي حدث هو أنَّ تعريف العلم، عبر السنين، تحوَّل في حركية “منظومة الرشد” من التعريف الذي يجعله “اعتقادا جازما، ثابتا، مطابقا للواقع” إلى عدم اشتراط الجزم والثبات ومطابقة الواقع؛ ذلك أنَّ العلم هو “ما كان قابلاً للتفنيد” (أو التكذيب، حسب بعض الترجمات)؛ وإلا تحوَّل إلى “معتقد ودوغما”؛ فكما أنَّ النظريات تولد وتشيخ وتموت؛ كذلك العلوم تولد وتشيخ ثم تموت؛ وموتُ نظرية أو علمٍ هو حياةٌ للنظرية البديل، والعلم البديل؛ في تسلسلٍ متنامٍ، دائم الصعود والترشُّح؛ إمَّا بصيغة تراكميةٍ أو بشكل ثوريٍّ، حسب الرؤية الفلسفية لتطور العلوم.
إذن، يكون “علم الزمن والوقت” في علاقته بالموضوع وبالمنهج، لا بذات الزمن وعينيته، ولكن “بالرؤية الكونية، ومصادر المعرفة، ومناهج الاستدلال، وفلسفة العلم، والأبعاد المعرفية والوجودية، والأسس والمنطلقات، والغايات والنهايات، والأهداف والوسائل، والإجراءات والمراحل، والوصل والفصل، والتخصص وتجاوز التخصص، والتعميم والتخصيص، والتنظير والتطبيق، والتحيز والإقصاء، والمفاهيم والمصطلحات…” كل هذه العناوين يبحث فيها وعنها، في العلوم التي تعنى بالزمن والوقت “موضوعا ومنهجا”؛ لكن لا يمكن استبعاد البعد الكيفي لحساب البعد الكمي، أو العكس؛ فالكم والكيف متكاملان في أسس العلم عندنا؛ وهو ما يشكل صعوبة ندركها ونستوعبها، ثم نتجاوزها، ونقترح بدائل لها.
ويمكن كذلك أن نتخذ من “العلوم الزمنية” مادة وموضوعا لعلم الزمن والوقت؛ بحيث نقيم عليها ما يعرف بالماحول (الميتا)؛ فنلاحظ ونحلل ونصنف، ونقارن ونصل ونفصل، ونسبر ونقسم… تلك العلوم؛ فيصدق أن نسمي هذا العلم “علم علوم الزمن والوقت”؛ واختصارا نسميه “علم الزمن والوقت”؛ مدركين هذا البعد، عاملين على تحقيقه، والانطلاق منه للوصول إليه.
ويبقى الغرض من هذا الإجراء، أي “دعوى تأسيس علم جديد” هو فكُّ الحصار الحديدي المضروب على عقولنا، وعلى أنفسنا، وعلى علومنا، وعلى واقعنا… بحيث أفقدنا كلَّ إمكان، وجعل الاستحالة عنوانا لوجودنا الذاتي والمعرفي؛ ولقد تتحقق الغاية، أو لا تتحقق؛ غير أنَّ البدء ضرورةٌ، بل هو واجبٌ؛ ومن هنا بدأنا… وبه يتحقق إمكان “علم الزمن والوقت” موضوعا ومنهجا؛ ونحن في الخطوات الأولى التي تستتبع مسيرا طويلا، وجهادا واجتهادا مريرا، نسأل الله تعالى أن يوفقنا إليه…
والله ولي التوفيق، وهو المستعان، وعليه الثكلان.

د. محمد باباعمي
29 جمادى الثانية 1444هـ/22 جانفي 2023م

عن د. محمد باباعمي

د. محمد باباعمي، باحث جزائري حاصل على دكتوراه في العقيدة ومقارنة الأديان، سنة 2003م، بموضوع: "أصول البرمجة الزمنية في الفكر الإسلامي مقارنة بالفكر الغربي"، وحصل على الماجستير في نفس التخصص سنة 1997 بموضوع: "مفهوم الزمن في القرآن الكريم"، وعلى دبلوم الدراسات المعمقة في العقيدة والفكر الإسلامي، سنة 1994م، بموضوع: "مراعاة الظروف الزمنية والمكانية، والأحوال النفسية، في تفسير الآية القرآنية". صاحب الدعوى العلمية لتأسيس "علم الزمن والوقت"، بإشراك ثلة من الباحثين والأساتذة. للاطلاع على السيرة الذاتية التفصيلية: https://timescience.net/2021/11/13/%d8%a8%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%b9%d9%85%d9%8a-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%89-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%b0%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%a9/

شاهد أيضاً

في وعي الإنسان بالوقت :: 04

النومُ آيةٌ من آيات الله ﷻ، لا يدركها إلاَّ من يتفكَّر ويُعمل عقلَه؛ أمَّا الغافل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *